في نهاية أمسية طربية في مدينة بعيدة وبعد ان مضى الجميع، اسندت رأسها على كتف ذلك الحبيب الغريب. ليس هو الغريب فحسب بل كلاهما يحملان نفس الجينات المجنونة. هاربان بلا اسر عاشقان بلا استقرار، وطنهما حيث تحط اقدامهم. تجمعهم المدن وتفرقهم المطارات ليس لهما مقر ومستقر، يجذبها ذكائه تحليله طريقته التي يعيش بها حياته. هو يراها مستقلة مشاغبة وذكية و أنيقه. في كل مره يلقاها يتعمد ان يهديها ملابس عادية عاادية جدًا بل ليست جميلة ليخبرها انها فاتنه وانيقة وليست الملابس.
وفي مقهى سري في المدينة البعيدة،
قالت وهما يدحقان في الناس من حولهم : حدثني عن الناس؟ عن مشاعرهم، عن شخصياتهم؟
قال: دعينيا ننظر في عيون الحاضرين وايهم تريدين ان اكشف لك خفاياه.
كان ينظر في عينيها وهي ترمق الحاضرين بنظرات يعتريها الفضول! اشارت برأسها تجاه ذلك المنعزل على يمين الباب.
قال: ذلك يبدو انه ينتظر احدهم ولكنه ليس واثق من قدومه بعد.
قالت: ماذا عن الاثنان الذين يختبئان خلف ضياء الشمعة.
لم يلتف لهما ولكنه قال: ان كانت صامته في مقابل ثرثرته فهي تحبه كما انه يثق بها. وان كانا يضحكان كثيرًا فهذا لقائهم الاول!
قالت:كُن اكثر عمقاً.
قال نحن الرجال كائنات غريبة في تعاملنا مع بعض لانثق فيمن نعرف بينما نثق فيما لا نعرفهم، البعض يقولون عكس مايضمرون يسألون عما يعلمون كما انهم لا يتزوجوا من يحبون!! ذاك الرجل يثرثر دون توقف لانه وجد من يثق به، اما هي فليست راضية كفاية فالنساء يثيرهن الاقل وضوحا والاكثر غموضًا. لقائهم هذا لن يتكرر الا بعد حين، على اقل تقدير الى ان يفهم هو قواعد اللعبة.
قالت ولكنها تحبه!
اجاب : و الحب ليس كل شيء!
قال اترين ذلك العجوز هناك! ظل يناظل عن اراء اصبح اليوم لا يؤمن بها ولكنه مضطر ان يتمسك بها لكي يكون له وجود في المجتمع. على الاقل مجتمعه هو الصغير! الافكار لها تاريخ انتهاء ولكنه لم يعلم ذلك الامتأخر، الآن يعمل جديًا على ان يجعل الجميع يصدق تلك الافكار والمعتقدات لكي لا يضل وحيدًا.
قالت: ما الذي يخيفك؟
قال اخاف ان اظل كما انا! اخشى ان اصبح كل اؤلئك الذين لا يعجبوني، كذلك لا اريد ان اكون مشابه لأؤلئك الذين يعجبوني! لا اعلم ما الذي اريد ان اكونه.
اخشى ان تمضي حياتي وانا احاول ان اكون ولا اكون، ان اجلس في مقهى احادث الاصغر مني سنًا كيف اني حاولت ترميم حياتي ولكنني لم افشل بل الزمن من هزمني، ان اردد الكذب لأريح ضميري، ان لا يفخر بي ابنائي، ان تمضي حياتي وانا في بقعة واحده لا اعيش في الغربه لا اكتئب من الوحده لا اشتاق للوطن، ان لا احضر حفلًا عظيما على شرفي و اكون مرتديا معطف والدي و اقف واتحدث لهم عنه.
ان اكتب واكتب واكتب ولا تقرأ لي.
بكل بساطة انا اخشى ان احلامي تضل احلاماً مبعثرة و متعثرة وغير قابلة للتحقق،
قالت : تكلم لا اريدك ان تصمت.
قال لا تريدينني ان اصمت ام تحبين كلامي! ..
دعيني احدثك عما لا استطيع كتمانه ..
انا لستُ مرتاحاً كما يبدو علي، انا افكر كثيرًا ، اعيد سرد ما حدث واحاول ان اعيد حدوثه في مخيلتي، اكتشفت ان اكثر ما يقلقنا هو ما نخفيه في حين لو كشفناه لزال نصف التعب وربما كله. فيما مضى كنت افعل ما يفعلون لعلي اشعر بما يشعرون ولكنني لم اجد نفسي في كل ما فلعته، وجود الانسان ضمن مجموعة يشعره بالراحه لانه يخشى الخروج والبقاء وحيدًا، وهذا ما كنت اعمل على تأخير حدوثه. ولكنه حدث فأرتحت بكل بساطة، والآن لا اعلم ما الذي يجب ان اكشفه واتجرد منه لأرتاح!
شيء اخر لم تعد تروق لي فكره البقاء والمكوث اشعر انها ترهقني حقًا، اريد ان اتوه لا اريد ان اصل.
اكملا ثرثرتهما بالطريق…
وقبل ان تنام امسكت يده وقالت اخبرني بقصة هذه الندبات؟
ابتسم فلم تكن هذه المره الاولى التي يعيد فيها قصص كل تلك النبدات يعلم انها تحب ان تسمعها في كل مره.
أغلب مايبقى في ذاكرتنا هي تلك الثرثرات التي نطقنا بها لغريب ورحل ، وأكثر مايجعلنا نحب هذا التصرف هو إيماننا بانهم لن يعودوا ابداً وبانهم لن يطرحوا الحلول فنحن غالباً بحاجة الى المنصت وإن لم يدلي بحل
سردك مذهل شعرت للحظة اني معهم في ذلك المكان
إعجابLiked by 1 person