علاقة من نوع آخر ٥

توجه للمطار الذي اعتاد ان يرتاده مع سائقي الأجرة الذين اعتاد حديثهم و اسئلتهم، الذين كان يفشي اسراره لهم دون اكتراث في كل المدن التي يتجول بها . ويخفف من وطى الشعور عليه، لانه يعلم ان هذا لقائهم الأول و الاخير، في حين هم ايضا اعتادوا رؤية المسافرين العابرين الذي يتشهابهون كثيراً.

ولكن هذه المره لم يكن لسؤال سائق الاجرة اجابة حين سأل الى اين مسافر سيدي اراك تحمل معطفاً ونحن في سبتمبر!
اجاب بكل صدق : “لا أعلم”
ثم تمتم لنفسه … كل ما في الامر انه وصلتني رسالة جوال : “القاك في المطار .. احضر معطفك”.

وصل المطار وانهى اجراءات العبور للجانب الاخر من الكرة الأرضية وهذا ما اكتشفه حينها.
اقلاع طائرته منتصف الليل اي ان الشمس سوف تشرق عليهم فوق السحب، جلس في صالة الانتظار الى ان همس له احدهم بصوت هو يعرفه جيداً: “هل تنتظر احد ؟”
اجاب :” مضى عمري في انتظار اشياء كثيرة ياسيدتي. لم يعد الامر يقلقني كثيراً ”
– ما الذي تنتظره هذه المره؟
اجاب في هذه اللحظة انتظر قبلتي منك.
اقتربت الى ان احس بانفاسها في اذنه ثم قالت:” ليس الان سيد غوريلاً”
اكمل قائلا: مضى وقت طويل من حين تسللتي من القطار في تلك الليلة ، حتى ان شعرك اكتسب طولاً ولوناً غير الذي كنتي عليه.
وبردها المستفز :good boy شديد الملاحظه.
انتهى حوار المطار قبل ينادي للنداء الاخير لرحلة نيويورك .
كان يطوقها بيده الى ان وصلا مقعديهما، كان كل شي معد مسبقاً المقاعد اختيرت بعناية والوجبات.
وقٌبيل الاقلاع قالت: تفضل اعد على مسمعي جميع تعلميات الاقلاع واعد شرحها لي وسأتظاهر انني اول مره اعلم بذلك.
اخبرها ان للطائره رقم على المدرج وحين يحين دور طائرتهما ستقلع وانه يقوم على ذلك مراقب جوي مسؤل عن ارضية المطار ثم يتولى موظف آخر مسؤل عن مرحلة الاقلاع وحتى ثبات الطائرة للارتفاع المحدد مسبقاً ثم يودعهم ليتولى الامر المراقب الجوي الثالث المسؤل عن سماء مدينتهم الرياض. وبعد الاقلاع وثبات الطائرة حان موعد قبلتهم بتوقيت علاقتهم الغريبة ، فهي لديها عادة غريبة تعد عدد المرات التي يكونا معاً ويحل عليهم غروب او شروق. وتحب ان تشاهد لون عينيه حين يصبح فاتحاً.
كانت تتفقد ملامحه بيدها وهو كذلك كان يتحسس خديها و جبينها وكل ملامحها الحادة.
و بوجبتين نباتية فوق السحب كانت بداية الرحلة.

لم يكن الطقس بارد ويتطلب معطفاً!
اجابت : ليس وانت في قمة احد مباني منهاتن..ليلاً.
كان هذا بداية حوار حديقة السينترال بارك.
سألته :ما الذي تخشاه هذه الفتره ؟
اجابها:ان القاك وانا لا احمل قصصاً جديدة ولا مواقف تُحكي. اخشى ان تصبح حياتي رتيبه ممله،
ان لا اصحوا صباحاً واسمع الجاز اثناء اعداد قهوتي التي تبرد كثيرا واعيد تسخينها. ان لا اثير اعجاب احد.

اخشى ان آتي متأخراً وليس للوقت سبب في ذلك لألومه بل اكون انا من اختار التأخر، وان آتي مبكراً في موعد آخر كان يجب ان لا اذهب اليه، والحقيقة ان هذه الاقدار ستحصل لنا شأنا ام ابينا٫فحين امنتعت ان عن العطاء يوماً لشخص اودك، ستعطي بإسهاب شخص آخر لا يستحق كل ذلك العطاء.


و ما الذي يمدك بالحياة؟
اجابها: الاحلام، فأنا احلم اكثر من ان احقق كل تلك الاحلام، اظن انني احتاج عمرا آخر لاحقق احلامي. كما انني لا اتفوه بكل الاحلام ، اخبأها لاحققها. وانا لا اقدم افضل تجربه لتحقيق الاحلام ولكن هذه طريقتي.
ثم مضوا يسيرون ويتوغلون في داخل الحديقة بعيد عن اصوات الناس وانظارهم.

ومن اعلى احد مباني منهاتن وفي منتصف الليل كانا يشرفان على المدينة وبكرسيين متجاورين غير متقابلين كان احدهم يضع راسه على صدر الآخر.
صمت مطبق على انغام الموسيقى ، قالت تحدث لا تسكت! اخبرني عن الاله عن الكون عن المستقبل عن كل شيء، ،وعنك كثيراً.
قال: سأخبرك لما انا هنا الآن برفقتك ، انا ياسيدتي الفاضلة لم اتفوه بمشاعري ، انا فاشل نسبياً في ابتدا الحديث عن نفسي وعن مشاعري. انا معك لانني اشعر انني بكامل حريتي . انا هنا بجميع جوانبي المشرق منها والمظلم، انا لا اخشى ان اسقط امامك ، لا اخشى ان اتفوه بكمله لم اود ان تخرج ، لا اتمتم وارتب الحديث قبل ان ابتدأ الكلام، تعلمين عن الشامه المخبأه تحت شاربي و تلك الاخرى المخبأة تحت القميص.

ما الذي يخبأه لنا الوقت ياصغيرتي ٫ من هو بطل قصتنا ورواية حياتنا ٫ هل للأقدار الكلمة الاخيرة ام اننا نحن من يسدل ستار فصولها ٫ ما معنى ان نعيش ما معنى الحياه٫ المخيف هو ان لم تكن لك حياه خاصة واحلام تحققها فسوف تكون جزء من مخططات الاخرين الذين يحققون احلامهم بفضلك ، فأنت احد تلك الموارد في حياتهم، انا لا اريد ان اكون ورقة رابحة ولا حتى خاسره في حياة حالم. لوجودي الانساني معنى وهدف اجهله احيانا ويبدو لي احيانا اخرى، يظهر لي بخجل ثم يغيب. لا اريد ان كون نوته موسيقية في يد عازف. انا موسيقار حياتي .

اشعر انني لا انتمي لاي شيء ٫ ليس هناك قضية ادافع لاجلها ولا فريق اهتف باسمه ولا صديق يشبه هارون في قصة نوح٫ اشعر ان هذه المنزلة ليست خالية فحسب بل ليست موجوده. بعد.
كل ما شعرت ان احداً يجذبني لتلك المنطقة اهرب .

في مقهى صغير في الحي الايطالي جنوب منهاتن كان الجاز حاضر ٫ وخصرها النحيل كان يطوقه بيده لتمايلان في رقصة مذهلة ٫ وهمسات تملئها السعادة.
ثم وعلى الطاولة كان يثرثر لها انه آسف لنفسه : حين كان صغيراً كنت ازج بنفسي في أماكن لا اطيق الجلوس بها ومع اناس لا اشعر اني اشبهم، لم اكن اعلم عن نفسي الكثير لم ادرك ان كل تلك الاختيارات لن استطيع التعايش معها، فقط كنت افعل ما يفعلون لعلي اشعر بما يشعرون ولم يكن يحدث ان شعرت مره ان هذه الاشياء تسعدني وتملئني. ماذا عن طفولتك انتي يا آنسه؟
قالت: كنت كثيرا احب العاب الصبيان اكثر من الفتيات٫ لم يكن عندي دمية اربيها ولا غرفة بصباغ وردي٫ حتى ان علاقفاتي مقتصره على القليل، انعزالي جعلني اتعلم الكثير ، جعلني متفوقه دون ان ابذل مجهود.
حين كبرت كنت كثيراً ما اهرب من اؤلئك الذين ينجذبون لمظهري فقط، قبل ان يتوغلوا في اعماقي شخصيتي.
ولهذا بالتحديد نجحت انت، لم تكن تتطلع للون عيني ولا لشعري قبل ان تكتشف جوانب شخصيتي ولم تحاول في مره تغيير ما انا عليه، تقبلتني كما انا.
قاطعها: انا لم اتقبل عيوبك وكأن لي فضل في ذلك، انتي في نظري رائعة ولا اريد منك اي تنازل ، لا تتنازلي عن شيء لاجل ارضائي . اريدك قوية كما انتي. مختلفة بفكرك برأيك،و بكل جنونك.

قضوا ليالي يتنقلون فيها في ضواحي نيويورك مابين حاناتها و مقاهيها، وفي حفلاتها يرقصون بصخب
كانوا يضحكون كثيراً ، ينامون في الفندق حين وفي مواقف الفندق حين اخر، حين لا تحملهم اقدامهم على المسير من الثمالة.

وفي المطار في مشهد درامي باذخ يسيرون في منصف الصالة الى نهاية المسار حيث بوابات المغادرة ، افترقا بصمت فلكل منهم بوابة مختلفة بوجهةً مختلفة في هذا العالم.
الذي نراه كبيراً مترامي الاطراف حين يراه كلاهما فندق كبير بغرف متعدده يتنقلان بين ارجاءه بحقيبة سفر واحدة.
رسالة جوال اخيره قبل ان يركب طائرته :” تفقد جيب معطفك ايها الوسيم. الى اللقاء”

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: