الوجود الإنساني

تشعر احيانا ان لعقلك نشاط ذهني يتفوق على نشاطك البدني، الكثير من المشاعر و الافكار، هدمٌ وبناء وتناقضات، تفتش هنا وهناك وتشعر انك فاقد للحقيقة، حقيقة من انت وما ستكون.

حين تظن ان لوجودك الانساني معنى فبماذا يتجلى هذا الوجود؟
هل تبحث عن قصة حب تستنزف بها مشاعرك الفائضة، التي تبذرها على القطط و الماره.
ترمق بعينك العابرين وترسم لعلاقاتهم سيناريوهات لقاء وفراق، وتظن انك لو كنت مكانه لاحسنت التصرف.
وتبدأ تفكر ماذا لو كان للحياة معنى آخر لم ندركة بعد؟ ، اعني معنى ليس موجوداً في الكتب ولا تجارب الحياة ولا السفر ، ولا بمخالطة العلماء والمفكرين، بل ربما في اعمق نقطة في نفسك البشرية، معناها يتجلى فيك انت وحدك. ما ان تمزق احشاء نفسك البشرية وتفتش في خفاياها ستجده هناك يقبع.

المطار هو افضل مكان لمشاهده الناس، وقراءة مشاعرهم لرسم قصص حب وعلاقات اوشك على الانتهاء واخرى تكاد تبدأ، ترى المودعين لا يكفون النظر في حين من رحل لم يدر ظهره، وان ذلك الطفل ظن ابيه انه يبكي لاجله في حين كان يبكي لاجل قطعة شكولاته.
اشعر انني استمتع في مشاهده الناس اكثر من متعتي في اي شي آخر.

بعد مرورك بالعديد من التجارب والعلاقات، يتكون لك صوره ذهنية تعرف بها نفسك ثم لا تشعر بالخجل يوماً ان تكسر هذه الصوره، فتصبح في مرحلة ما لاتعرف نفسك جيداً! تتفاجأ من ردات افعالك وتصرفاتك التي تتغير بتغير المكان والزمان، بل تتغير حسب الاشخاص الذين تكون معهم. وفي لحظه باردة والجميع من حولك يتحدث تشعر ان هذا المكان لم يعد يناسبك ولا الحديث ولا الاشخاص حتى فلا تحمل نفسك وتذهب بل تقرر البقاء لتؤكد لنفسك انك لا تنتمي لهذا العالم ولا هذه المجموعة ثم تترك القديمة بينهم وتنسلخ لتغادر المكان ثم لا تعود اليه مجدداً.

هذا المكان كان يحمل افكاراً ويوفر البيئه المناسبة لنقاشات لا طائل منها كنت تشعر انها تشبهك كثيراً وتغذي كل فضولك وتشبع بها غرائزك للنقاش ولكنها الآن لم تعد تهمك، فلم تعد تلك الهموم اكبر ما يؤرقك ولا عاد رأيك يمثلك ولم يتغير فحسب بل اصبح الامر لا يعنيك البته. ومحاولات تغيير من حولك ليس في قاموسك. فتمضي.

حين ترى من كان يشبهك ويحمل نفس الافكار التي كنت تحملها تبتسم وتتمنى لو تمسك بيده وتخبره بحقائق الاشياء ولكنك تدعه للحياه تتركه يخوض تجربته الخاص ربما ينجو او يكون له طريق لا يشبه طريقك، تتعهده بين حين وآخر لترى في اي مرحلة وصل وكم استغرق من الوقت ليدرك الواقع. وفي كل مره ترمي بكلمات لا يفهمها ولكنك تخاطب بها عقله الباطن لعله في مرحلة ما يستوعبها.

قد تظن ان لديك حكاية تستحق ان تروى وان لك تجارب تفوق الخيال وانك خالطة الكثير وسمعت وقرأت كثيراً، وان تلك الفتاه اخبرتك انك مختلف ولا تشبه احد، وانك زرت بلدان عده. وان لا احد يشبهك، و هذا العالم يجري بطريقة لا تتوائم معك وانك تحمل مفاتيح الاشياء ولكن لا احد يسمع لك.
كل ذلك وهم ياصديقي فبنظره خاطفة على تاريخ حياتك ستدرك انك لست سوى نسخة منقحة لابيك وامك وقبيلتك واصدقائك وان جميع ما تظنه فريداً هو بالحقيقة مكرر وممل. وفي ادني جدال تتكشف لك عورات عًقدك وترى كم انها هشة واهية، لانك لم تجتهد يوماً في صنعها والايمان بها بل اخذتها مًعلبة جاهزة من رفوف مجتمعك الصغير.

ان اردت يوما ان تصبح مختلفاً حقًا ولا تشبه الا نفسك فعليك ان تنقلب على جميع تلك الافكار وترسبات التربية التي نلتها منذ طفولتك، ان تفتش في عًقدك الصغيرة تلك التي تحاول تجميلها بزرع البساتين والرياحين فوقها لتخفي قبحها، ان نعيدالنظر في تلك الافعال التي يؤمن بها بعضك ويكفر بها بعضك، ان تُخرس كل من يصفق لك ولا تدع نشوة المديح تجرفك الى ساحة بعيدة لا تُشكل فارق لك.
ان تحاول حقاً ان تكون شخصاً افضل لنفسك ولكل من تحبهم وتكترث لوجودهم، لمن يضيفون لحياتك معنى يوماً دون ان تتشبث بهم ، ان ترسم مبادئك التي تشبهك او تظن انها تشبهك ثم تزج بنفسك بالعديد من تجارب الحياة لتكتشف ذاتك جيداً و تعيد ترتيب تلك المبادى حسب اولوياتك انت.

قد يوهمك الكثيرون انهم يعرفونك ويفهمون تفاصيل شخصيتك فقط لانهم عرفوا في اي الابراج ولدت و أي الاطباق تفضل فتجاملهم ثم لا يتوقفون عن نبش تفاصيل حياتك ليإكدوا لك في كل مره انهم على حق وقد تنبأوا بكل تصرفاتك ، ثم وبعد ذلك تاتي الكارثة حين يبدأون يملون عليك ما يجب عليك فعله وما يتوقعون منك قوله، و حينها قد تخسر نفسك لانك ستتصنع حقاً وتظن ان هذا هو انت وانهم على حق.
لانك وبكل سذاجة ادمنت ذلك الشعور، شعور ان هناك من يفهمك حقاً ويعرف كل تفاصيلك الصغيره و التافهه.

اكتب هذه المدونة في ايام حجر صحي للعالم وبالنسبة لي هي اشبه بالعزُلة ، عزلة للنفس لتهذيبها من شوائب الحياه، لتعرف نفسك اكثر ، وكأن العالم كله اجتهد لاجل صنع هذه لحظات لتختلي بها مع نفسك.
آسف لكل تلك الضحايا التي عُبر عن نهاية حيواتهم في هذه الارض برقم. رقم يضاف في ملف اكسل ليظهر للعالم كنسبة احصائية.
اعلم ان لحياتكم معنى وان لكم قصص لم تكتمل وان جدول مواعيدكم مزدحم و لديكم خطط لقضاء هذا الصيف في مكان ما من هذا العالم، وان احدكم كان ينتظر الوقت المناسب ليقول لتلك الفتاه “انا حقاً اهتم لأمرك”. وهناك من كان يبحث عن بدايات جديدة يزيل بها بقايا احلام متعثرة وامنيات تاه لتحقيقها.

الى اللقاء.

ِ

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: